باسم قرطاج و نصرها الموشك، أمر آميلكار برقة باحترام بعل في إرادته الحقيقية. و بعل، خلاف رب إبراهيم، لم يكن يختبر حين طلب الرضع الذكور أضحية، لم يرسل كبشا، ولا أشهر ابتسامة « الكاميرا الخفية » في آخر لحظة. حين نضبت الخصوبة عن قرطاج، تحيل القرطاج و أخفوا أبناءهم.
لا ريب أن بعل القزم شبع لحما طريا. كما أن لقرطاج العزة. ولا عزة دون هؤلاء الذكور.
أتت روما. أو هي قرطاج ذهبت. اختلفت روايات « من بادر ». انهزمت قرطاج. و لم تختلف الروايات. هزيمة أولى، و عبر صمت الجميع كان بعل هو السبب. و انصب الجميع بحثا عن منقذ يدرؤ بعل و روما. « شوڨن » قرطاج هازم الروم. فكان أميلكار، أمير الحرب الثانية. و انهزمت قرطاج مرة أخرى. أكان الذنب ذنبه؟؟؟ أكان الذنب ذنب من أمروه و آمنوه قائدا؟؟؟ قطعا. فلا ذنب لأحد، و الذنب ذنب الجميع. هو غضب بعل اللذي لم يحترموا إرادته الحقيقية منذ عقود. غضب الإله أعمى، يقتل عماه أبصار العقل. صدح آميلكار بهذا الواقع المر، أمام إعجاب الجميع بعمق شجاعته في الإنحناء أمام إرادة بعل. لم يكن أحدي يجرؤ علي إخراج سكينه نحو رقبة ابنه. إلى أن تقدم آميلكار في محراب المعبد واعدا أن يبدأ الأنذار، إلى عز قرطاج إلى مجدها …
ثم جاء حنبعل. و آميلكار المقدام ليس سوى قرطاجي بين آخرين. لا شجاعة عنده أكثر من غيره. حنبعل ابنه، لحمه، دمه، حامل قرطاج بين عينيه، امتداده الحي المتحدي للموت.
تقدم آميلكار لمحراب المعبد، ماسكا بين يديه رضيعا أسمر لا زرقة في عينيه. « هذا الرضيع لعبدتي. و ما لعبدتي لي. فهو كما ابنها، ابني إذن. و ها أني أضحي به لك يا بعل » … سالت الأنهار حمراء لامعة، بين حبات التراب الأسمر، متخثرة في شبه مستنقع صغير هنا، صانعة لرغى عجيب، على حافة الكافورة العجوز، يتلاسن فيه الأبيض المزبد بوردي قان الحمرة.
ضحا الجميع.
و من لم تكن عبدتك، دون أن تكون عبدة أحد، هي عبدتك، و ابنها إبنك.
و من لم يكن عبدك، دون أن يكون عبد أحد، هو عبدك، و ابنه ابنك.
و من لم يكن قرطاجي النسل و السلالة، فهو عبد، و بعل ربه، و إن لم يعلم ذلك.
و من لم يضح جدوده لعقود، فدا أضحياتهم بتمامها.
و من ألحد ببعل دهورا، آمن به.
ظل لحنبعل اسمه المحمول على ظهور الفيلة. و تواصلت طاعة القرطاجيين لبعل. لم يغفلوها ولو سنة.
لم يكن للأضاحي اسم، و لا معنى. لم يكن، لآبائهم أن يصيروا قرطاجيين. كانوا كالأبناء، زمن خروج النسل من الغمد نحون الأورطي.
و انهزمت قرطاج مرة أخرى.
باسم اللذين لا إسم لهم، سيواصل من نجحوا في النجاة زراعة الملح على قرطاج، تأجيجا لجمال الكافور العريق.
الآن، و بعد آلاف السنين، تسقط قرطاج مرة أخرى. باسم من لا إسم له، في التاريخ و الحاضر.