عن أهمية نقد الإستقلال

في الفيزياء، و غيرها من العلوم، حين يتكرر شيء ما و يحتفظ على وتيرة متناسقة، يتم اعتباره ظاهرة تتبع قوانين معينة، و تصير دراسة للظاهرة، بملاحظة ما يبرز منها للعيان، ثم الاستنباط و القياس و الاستنتاج و التثبت، بهدف استخراج قوانين الظاهرة و منطقها الخاص.
كل 20 مارس، تتكرر نفس المواقف من نفس المواضيع. نفس النقاشات و الحوارات و المواقف. هذا التكرر يتبع نسقا زمنيا ، مما يسمح لنا بالتعامل مع الموضوع كظاهرة على حدة، بالمعنى الفيزيائي. كل « 20 مارس » ينقسم الناس بين « ناف للإستقلال » و بين « ممجد للإستقلال »، ليمر الأمر بعدها للحديث عن « الصناع الحقيقيين » لهذا الإستقلال.
دراسة الظاهرة في الفيزياء لا تعتمد عما يبرز كخلاف في الظاهرة المذكورة، بل عن الخصائص المشتركة الثابتة أولا. دراسة هاته العوامل الثابتة و استخراجها يسمح بمقاربة أسلم للعوامل المتحولة. الإعتماد على « المتحول » كأساس للمقاربة ما يسمحش لا بفهم الظاهرة، ولا باستخراج طرائق التعامل معاها. المتحول عادة هو تعبير عن علاقات منطقية و نتيجة القوانين المتحولة.
كمثال م الفيزياء، كيف صارت مقاربة الظاهرة الكهربائية، ما تمش الإعتماد على « حدة التيار الكهربائي » كأساس للمقاربة، ولا على عدد الإلكترونات. وجود النشاط الكهربائي المتكرر إثر تحرك الشحنات الإلكترونية، سواء كانت سالبة أو موجبة، خلاها تكون ثابت أساسي في مقاربة الظاهرة الكهربائية. تلازم النشاط الكهربائي بوجود حقول مغناطيسية، مهما كان مدى ها الحقول ولا امتداد النشاط الكهربائي، كيف كيف كان قاعدة لتحليل الظاهرة الكهربائية، سمحت باستخراج معادلات ماكسويل، اللي قايم عليها لتوة كل ماهو استغلالات للكهرباء. لو تم الاعتماد على المتحول (حدة التيار، مدى الحقول …) و تجاوز الثابت، رانا مازلنا نغزرو للتريسيتي بنظرة سحرية خرافية. بينما دراسة الثابت كأساس للمقاربة سمحت باستبطان القوانين/المعادلات اللي سمحت بحساب و توقع و استغلال المتحول.
عودة ل20 مارس، هناك اتفاق ما أن حدثا مهما قد حصل، و يتم التعامل مع هذا الحدث بمنطق غنيمة الحرب و أحقية النصيب في تقسيم الغنيمة. يريد الكل استبيان حقه الأكثر من غيره، بطريقة أو بأخرى. فهذا يعتمد إلى « غياب الإسم عن كتب التاريخ الرسمي » كمعيار و دليل قيمة إضافية، و ذاك يعتمد إلى « تكرر الإسم عن كتب التاريخ الرسمي » كمعيار و دليل قيمة إضافية. الحالتان تعتمدان على خطأ تقديري قديم يربط القيمة بالتكرر في التاريخ المدون، سواء سلبا أو إيجابا. بينما، كما أشار ريكور في كتاب « تاريخ و حقيقة » فإن التاريخ المدون ليس حقيقة و لا يدعي الحقيقة بقدر ما هو مجموعة مقاربات تقدم نفسها كمقاربات ذاتية للمؤرخين حسب مناهج موضوعية، و أن تمرين التاريخ لا يحمل من الأهمية أكثر من ذلك : تبيان ستمرين التحول بين الذاتي و الموضوعي. هذا التفارق الأولي عن الحقيقة يمنع أي إمكانية استخراج قيمة من « تكرر اسم و صفة في التاريخ المدون ».
إذن فالثابت لحد الآن هو وجود قيمة ما للإستقلال كحدث. و ليس أي قيمة، بل معيار القيمة الأسمى المحدد للإنتماء للمجموعة المشتركة المسماة « وطن ». موقفك من 20 مارس دليل انتماء للوطن مقدم للجميع. أي اقتراب شبه نقدي لهذا الحدث، كحدث و مشروع سياسي و فكرة، يشعل حدة كبيرة، و تضع الفرد مباشرة في خانة الخيانة المباشرة.
الإشكال، هنا، بالنسبة لي، في واقع هاته القيمة و أصلها. بصفته حدثا، فالإستقلال يحتمل قيمة ما، و هذا واقع بينته الظاهرة. حسب رؤيتي الخاصة للأشياء، فإن القيمة ترتبط دوما بفعل وراءه اختيار و قرار، و الإعتراف بقيمة ما هو الإقرار بأحقية اختيار و فعل ما في القيمة. « الإستقلال » كحدث و فعل في الأساس « رد فعل » طبيعي أمام فعل الإستعمار. ليس للا محتل حاجة في اشتقاق مصطلح الإستقلال. أما القداسة المفردة للإستقلال، فهي مناظرة في حدتها و تمظهرها للقداسة اللتي أفردها الإستعمار لنفسه و سوقها خطابا تبريريا و مفسرا للفعل و القرار و الإختيار. الفاعل الأصلي هو المستعمر، و التعامل مع قداسة الحدث هو اذعان أمام قرار و موافقته كحدث طبيعي.
من باب رفض و دحض الإستعمار، أرى « من الواجب الفكري » دحض القيمة القدسية المفردة لتبعته، « الإستقلال ». ليس للإستعمار أن يطبع إرادته على إرادة حرة.
حدة قدسية الإستقلال، المشتركة بين الجميع، تسمح للأسف بتغطية الأسئلة اللازمة، مغلبة أسبقية الإنفعال على الفهم في التعامل مع المسائل. وهو ما لا يستقيم، و يساهم في تواصل ما لا يستقيم و تغذيته. و السؤال اللازم اللذي وقعت تغطيته هو : « هل أوفى القرار بتسيير شؤوننا بعيدا عن الإستعمار و باياته بوعوده أم لا ». على الإجابة أن تكون باردة، غير معطلة بتابوه. رفض طرح السؤال رد فعل عادي، فالتخلص من أثر تاريخي متواصل يبتغي القدرة على ملامسة « النكران »، و هو ما لم ترتق إليه بعد « الإرادة السياسية الجمعية المشتركة ».
مساءلة الإستقلال باعتباره الحجة الأخلاقية لمشروع سياسي نافذ بالفعل، هو تجاوز للإستعمار بتحييده كسلطة رمزية محددة للقيمة، سواء سلبا أم إيجابا، توجه ملكة التحكيم و التفكير.
لا عيب في أن نكون قد فشلنا، يكفي أن نذكر أن التعبير السليم هو « فشلنا إلى حد الآن« . طرح السؤال سيسمح لنا برؤية أوضح لمناطق الفشل و تمعن أسبابه لمعالجته. أما البحث عن علة سبب الفشل، فذاك ما سيترسب من عمل المؤرخين بعد جيلين أو ثلاث. فلا حقيقة هنا، فقط مقاربات للحقيقي.

repub

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *