كما لو أحب البلاد أحد

لا أحب البلاد، كما لو أحب البلاد أحد
صباحا مساء
و قبل الصباح
و بعد المساء
و عصبة للأحد …
و إن كرفتونا، كما كرفتونا
و إن برولونا، كما برولونا
لعدنا خرابا لهذا البلد

لا يستحق هذا البلد الإحترام، فمن بين كل القصائد اللتي كتبتها إياه، لم يحترم رغبتك إلا في الأخيرة : حين طلبت من حروفه الأربعة أن تكون قبرا.
لم ترفض البلاد لك هاته الرغبة. فأنت كغيرك من أبناء ڨمودة : لا ترى فيك البلاد سوى مقبور آخر. و أنت كغيرك من اللا لاعقين : تونس قبرك.
لن أذهب للجنازة غدا، فذاك الجسد اللذي سيوارى لا أعرفه. لن أذهب، فأنا أعرف ما سأراه هناك. ألم يقله الله في كتابه : « و الشعراء يتبعهم الغاوون »؟؟؟ لست من أتباع مثل « لا يدرك ألم الجمرة إلا من يعفسها بقدمه ». ما نفع تجارب الحياة و الآخرين، إن كان لي أن أكتوي بالجمرة مرة أخرى، كما لو كانت تواصلا عبثيا أحمق لخطئ في السير. لا أريد أن أرى الآية منتصبة أمامي غدا.
سأكون هناك، في نهج مارسيليا، ضاربا الخضراء بالخضراء. و سأراك أمامي، يتطاير الرذاذ من شفتيك، مستشهدا بما تقيأه الشامتون و اللاحسون منتفخو الكروش و المستشعرون و العدوق اللدود، كدليل على الإنحدار اللغوي المتفشي لدى هؤلاء المردة. ثم تمر فتاة، فيسترق كلانا النظر. هو الشِّعر في خصرها، ذاك اللذي تمنعه تونس بالقانون و الحياء و الرياء و الباجي و الراشد.
لا أحب البلاد، و لا يوم الأحد. و لا « همزة الوصل » ولا « بيت الشعر »، و أنت كذلك. غدا سيسيرون وراء الجثة اللتي أهديتها حياتك، و لن يذهبوا بها إلى القرية.
أتسمع يا الصغير؟؟؟ لن تدفن في القرية.
لم يعنك الإله عليهم، و لم يعنهم عليك، بل ظل هناك، يوحي للمصلوب أنه هناك، في جانب التل ينام نومة اللحود، يسف من ترابها و يلعن المطر. لا بد أن يعود، يتهامس المخاتلون من عبيده و من اللذين عصوا.
القيادة الشعرية للثورة التونسية لا تموت. و أنا غاضب لخلفانك وعدك بالبقاء. إذهب هناك وحدك إن شئت.
و أنا أنظر في الرماد، لم أرك.
و تونس تعشق رائحة الشواء.
تونس تاريخ الشواء، تعتبده نحو الملح المنثور على ارض قرطاج.

أبناء ڨمودة محرومون من حضور الجنازة الجلازية. ليس بحكم أمر قانوني، لا. ليس منعا جريئا يسمح لك بمواجهته رأسا برأس، العين في العين. هاته البلاد لا ترى نفعا في توفير النقل لأبناء حفاة الأقدام كي يحضروا جنازة ابن حافية القدمين. لابد لك من سلالة من النعال، و إلا الفناء.كيف لنا أن نحب ما بطبعه لا يُحَبُّ ؟؟؟ كيف لنا أن نختلط بالجالية التونسية بتونس الشقيقة؟؟؟
أما تونس الأخرى، فهي تنتظرك في القرية
بينما تدفنك الخضراء في « مقبرة الشهداء » تحت عين صاحب الحذاء الأسود.
لن أبكيك، سأستمع لصوت القرية، لاعنة إياك و إياي.
لن أبكيك، فأنا الآن غاضب، و لن أستحي من اللذين انعدم عنهم الحياء. غاضب من البلاد و العباد و الذات و الصفات و صاحب السمات و صانع السكرات و باعث الذبذبات و كل ما من شأنه أن يعترض لغتي الآن عنك.
سأظل أحمل منك خمسة طوابع صغيرة. و لن أقول للالمانية شيئا. لن أقول لها أنك ستنام في الجلاز، بين من بصقوا عليك و من بصقت عليهم، بعيدا عن دادا و القرية.
هذا التاريخ خاطئ، قد أصيب بلوثة ما.
تسقط الجغرافيا و يسقط التاريخ.

ادفنوا شخصيتكم الوطنية. يظل الشاعر الصعلوك صديقنا هنا.

3333

Un commentaire sur “كما لو أحب البلاد أحد

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *