تمهيد من المترجم : نعتذر ع التأخير في إنهاء ترجمة القسم الأول من رواية هرمان هيسه. أما روايتو هاذي بلاعة، كل وين نعاود نقراها نعاود نغطس فيها، و باش ننجم نختار الكلمة اللي تبانلي في بلاصتها نلقا روحي نسبق نقرا القدام، و نرجع نقرا اللي قبل، و ترصيلي من غير ما نفيق نغطس من اول جديد. على قد ماهي عذبة، ترجمة ها العمل، على قد ماهي عذاب كيف كيف، على خاطر تلقا روحك راسك راس الذيب اللي عايش فيك. الحاصل، سامحونا ع الروتار، و بعد نهاية القسم هذا باش نعمل « ترتيحة » و نترجم نص ولا زوز اخرين بعاد على هيسه و العالم متاعو باش ننجم ننتقل للقسم الثاني من غير ما مخي يضرب. قراءة طيبة
عجبتني فازتو و شد اهتمامي، و قعدت بحذاه شوية. من وقتها ولينا ندردشو شوية كي نتقابلو في الشارع ولا في الدروج. ع الأول، كيما مع الآروكاريا، كان ديما يظهرلي كي اللي يفرك فيهم شوية. أما لا! كان عندو لي، كيما للآروكاريا، تقدير حقيقي : على ما كان واعي بعزلتو، و انبتاتو، و كونو هجر التراب للماء للي، من غير أدنى سخرية، أي عادة بورجوازية يراها، مثلا محافظتي على اوقات المشيان للبيرو، ولا كلمة من عند جنايني ولا شيفور متع ميترو، تحيّر فيه إعجاب كبير. ع الأول، ظهرتلي حكايتو سخيفة و مبالغ فيها، نزوة وحشية، تنغنيغ عاطفي. أما رصاتلي اقتنعت، أكثر و أكثر، اللي من قاع وحدتو الخانقة، اللي برِّيِّة ذيب الحمادة متاعو، كان يحب عالمنا البورجوازي الصغير و يعجبو بصدق، كحاجة آمنة و صلبة، بعيدة و ما يوصللهاش، كيما الوطن و السلام اللي ما توصّلو ليهم حتى ثنية. كان يسلم ع الخديمة متاعنا، بنية ڨدعة، بضربة طربوش معبية احترام، و كيف كانت خالتي تحكي معاه شوية ولا تنبهو اللي لازم يصلح دبشو ، و يخيط فلسة لكبوطو، كان يتنصتلها ببرشة اهتمام و يعطيها وذنو و مهجتو لدرجة اللي تحسو شاهي بالساكتة و بيأس، يزلق من أي تزرزيفة لها الموندو الصغير الهاني، و يحس روحو في محلو، يبداشي ساعة.
في أول لقاء لينا بحذا الآراكوريا، سما روحو ذيب الحمادة. هاذي زادة ما خلات ما فاجأتني و ما قلقتني. آشنية ها الإسم؟ أما بعد مديدة، تعودت عليه ؛ مش فقط من باب الاستيناس، أما دخلاني، ذهنيا وليت ما نسميه كان ذيب الحمادة. حتى لليوم ما نلقالوش اسم ما خير يواتيه. ذيب حمادة ضايع بيناتنا، في المدينة و عيشة القطيع. ما فماش إيحاء أغرق بش يصور مليح مسافتو الطاغية، وحشيتو المسيبة من غير رباط، النباهة متاعو، حنينو و منفاه الأبدي.
مرة، صارتلي و نجمت نقعد نلاحظ فيه عشية كاملة. في حفل سنفوني، وين تفاجأت بيه قاعد موش بعيد علي، من غير ما يشوفني. في الاول، لعبو حاجة متع هاندال، موزيكا نبيلة و جميلة، أما ذيب الحمادة قعد تالف في روحو، من غير حتى كونتاكت مع الموزيكا و لا المحاوطين بيه. جابد روحو، وحداني، بعيد، الوجه بارد، مهموم يغزر قدامو. أما وقت اللي جات بياسة أخرى، سنفونية صغرونة متع فريدمان باخ، تفاجأت بمنظر الغريب، يتبسم و يسيب روحو، غطس وسط روحو و سرح، مدة درجين، على ماهو سعيد، و تايه وسط أحلام مزيانة، لوين تولهيت بيه أكثر م الموزيكا. وقت اللي وفا المورسو فاق و تسوا. و بان على وجهو اللي عينو باش يخرج، أما قعد و زاد سمع آخر مورسو، تنويعات لريجار. طلعو طوال و متعبين لبرشة مستمعين. لذيب الحمادة، كيف كيف، رغم اللي م الاول بان عليه الاهتمام و النية الطيبة، حشا يديه في مكاتبو و رجع غطس في روحو، موش كيف ما كان فرحان و يحلم، أما حزين و منزعج. وجهو رجع مرة أخرى رمادي و طافي. عاطي على واحد عزوز و مريض و موش عاجبو شي.
بعد الحفلة عاودت ريتو في الشارع و تبعتو. مبلّط في كبوطو، قعد يمشي، كالح و كالل، في اتجاه حومتنا. وقف قدام بار قديّم، ثبت بتمهميش في منڨالتو، و مبعد دخل. خطرتلي حتى أنا، و دخلت زادة. قعد في طاولة من طواول ها البلاصة البورجوازية الصغيرة. مولاة المحل و السرڢوز استقبلوه استقبال المستانسين بيه. أنا سلمت عليه و ركشت بحذاه. قعدنا ساعة. و أنا نترشف في زوز كيسان ماء معدني، هو هبط شطر دبوزة، و مبعد زادها ربع، شراب أحمر. قلتلو اللي مشيت للحفلة، أما ما خطفتش معاه. قرا التيكية متع الدبوزة اللي قدامي، و سألني إذا كان نحب نسمحلو يستدعاني على كاس شراب. كي جاوبت اللي انا عمري ما نشرب، عمل مرة اخرى وجه السخوفية متاعو و قال : « أيه، عندك الحق. أنا بيدي عشت ما نشربش مدة اعوام، وصلت حتى صمت فترات طويلة. أما، توة. أنا توة تحت برج الروح السايلة، برج مندي و مظلم ».
بما أني تلقيت ها الإيحاء بتفدليك، و استغربت كيفاه هو يمن بالتنجيم، استعاد نبرتو المتربية ياسر اللي تجرحني ساعات و قال : « عندك الحق، العلم هذا زادة، للأسف، ما ننجمش نمن بيه ». استاذنتو، و هو ما روح كان في الليل ممخر، اما خطوتو كانت هي نفسها متع العادة. كيما كل مرة، ما رقدش طول (بما اني ساكن في البيت اللي بحذاه، ننجم نفيق بحاجة هكة)، أما قعد ساعة في صالتو و الضو يشعل.
عشوية أخرى ما نسيتهاش، كنت وحدي في الدار، خالتي ما كانتش لهنا. ضرب النقوس. حليت، ريت مرا شابة و ياسر مزيانة، و كيف سألت على سي هالر عقلتها : التصويرة المحطوطة في بيتو. وريتها الباب و جبدت روحي. قعدت شوية لفوق ؛ سمعتهم هابطين الدروج مع بعضهم و خارجين، ياسر زاهين و نافحين برشة و هوما يدردشو شايخين. استغربت ع الاخر كيفاه الناسك هذاكة طلع عندو صاحبتو، و زيد صغيرة و مزيانة و أنيقة لها الدرجة. و ماعادش عارف وين وصلت في تخميناتي عليه و على وجودو. أما بعد ساعة رجع وحدو. بخطوة ثقيلة و مرهقة، طلع الدروج، و قعد يمشي و يجي بالطول و العرض في بيت الصالة متاعو سوايع ورا سوايع، بالشوية، بخطوة ذيب، كيف السبع المربوط. الليلة كاملة للصباح، و بيتو شاعل فيها الضو.
ما نعرف شي ع العلاقة هاذي، و نحب نزيد كونشي اللي أنا عاودت ريتو معاها، في الشارع مرة أخرى. كانوا يمشيو برا دسي برا دسو؛ كان يبان فرحان، و تفاجأت، مرة أخرى، بالسحر شبه الطفولي اللي وجهو، المنعزل و المْظلِّم، يعرف يشع بيه ساعات. فهمت المرا هاذيكة، و فهمت زادة اللهوة متع خالتي بيه. أما عشيتها كيف روح، عاود رجع كي الڨملة، مكحال و تاعس. قابلتو قدام باب الدخول، و مخبي تحت كبوطو، كي العادة، دبوزة الڢينو الطلياني. عدّا معاها شطر الليل لفوق، في العرين متاعو. سخفت عليه، أما ملا عيشة ماشي بيها، متأسفة، ضايعة و ما منهاش خروج!
توة، يزي م الهداري، ها لحكايات و الأوصاف كافين باش يفهمو اللي ذيب الحمادة كان يعيش عيشة الإنتحاري. أما ما ظنيش اللي هو عْدِم روحو بعد ما، فجأة، و من غير ما يودع، أما خلص كراه كامل، هز روحو من مدينتنا و اختفى. عمرنا ما عاودنا سمعنا بيه، و مازلنا مستحفظين بجوابات خلطت باسمو. ما خلالنا شي كان المخطوط متاعو، كتبو وقت اللي ركش هوني. بسطور مختصرة، خلاهولي، و ذكر اللي ننجم نعمل بيه اللي نحب.
ما كانت عندي حتى إمكانية باش نثبت هل أنو الأحداث اللي في مخطوط هالر حقانيين ولا واقع. ما عنديش شك اللي معظمها خيال : اختراع هكاكة لا، أما محاولة متع تخريج، تمثل حداثات دخلانية تعاشو بعمق كأحداث تتشاف. المهم، المغامرات، جزئيا خيالية، متع مخطوط هالر، يصيرو بالخصوص، حسب كل الإحتمالات، في الفترة الاخرانية متع ركشتو هوني. كيف كيف ما نشكش اللي في الأصل فما جزء لا يستهان به م الواقع الخارجي تعاش بالرسمي. في الفترة هاذيكة، ضيفنا، بالرسمي، بدل الهيئة و التصرف، كان يخرج ياسر، ساعات ليالي كاملة، و ما يمسش كتبو. الأوقات القصيرة اللي نقابلو فيهم كان يبان ناشط و صغير ع الاخر، ساعات فرحان بالحق، و الاوقات هاذي ، كي تجي تشوف، يتبعوهم بالوقت ديپريسيونات جدد و ثقال؛ كان يقعد ايام في الفرش من غير ماكلة. في الفترة هاذيكة صارت عركة شانعة، و عنيفة حتى، مع صاحبتو اللي طلعت. الدار بكلها تهزت و تحطت، و من غدوة هالر طلب السماح من عند خالتي.
لا، انا مقتنع اللي ما انتحرش. مازال حي، طالع في بلاصة م البلايص، بخطاويه التاعبة، دروج ديار غريبة. يتأمل، ما نعرفش وين، ارضيات ممسوحة مليح و آروكاريات نظاف، يعدي النهارات بين المكتبات و الليالي في البيران، يقعد متكي على أريكة متع بيت مفروشة، حاط في مخو يعيش الناس و العالم من ورا الشبابك، عارف روحو مقصى، اما ما يقتلش روحو، على خاطر بقية متع إيمان تقلو اللي لازم يمص ها المعاناة لآخر عرق فيها، ها المعاناة المسمومة اللي ساكنة في القلب، و اللي منها، من ها المعاناة لازم يموت. نخمم فيه ساعة ساعة. هو ما سهلليش حياتي. ما كانتش عندو القدرة يساند و يشجع الحاجات القوية و الفرحانة فيّا، أوه! لا، تي بالعكس. أما مانيش هو، ما نعيشش في حياتو، نعيش في حياتي، صغيرة و برجوازية، اما وثيقة و مليانة واجبات. هكاكة ننجمو نتفكروه بكل صداقة و طمأنينة، أنا و خالتي. كانت تنجم تقول، هي، أكثر من هكة، أما مستحفظة على اسرارو في قلبها الكريم.
بالنسبة لكتابات هالر، ها الفانتازيات الفريدة، اللي ساعات مَرَضِية، ساعات مزيانة و معبية تخمام، لازمني نقول اللي، لو كان طاحو بين ايدي بالصدفة، من غير ما نكون عرفت كاتبها، راني الف في الميا لوحتها بتنقريس. أما، بفضل علاقاتي مع هالر، وليت ننجم نفهمها جزئيا و نوصل حتى نقدرها. ما عمري ما كنت نسمح لروحي نوصلها لناس اخرين، كان جيت ما ريت فيها كان الخيالات المرضية متع كائن معزول.