عن اﻹكحلال اﻵن، عن اﻹكحلال أحكي، ليس اﻷسود و لا انعدام اﻷبيض، بل هي النّار الحمم صانعة الضوء من العدم.
هو اﻹكحلال اﻵن، و إن بان في اﻷفق شعاع ضوء : ليس كافيا. أكثر، أكثر، أكثر، أكثر. ليس كافيا، و إن حلّ اﻷفق بي، ليمﻷ مسافة الفراغ اﻵتية من تمزّق الذّات عن ذاتها : تلك مسافة اﻹكحلال، ذاك سمك كحل العين الصّافية بسوادها، ذاك الخيط بين الله و وهمه.
لست حيّا طوعا، لﻷسف. ليس حبّا في الحياة، بل تمسّكا بالطّوع، كتمسّك الغريق بطيف ردائه المتمزّق بين عباب البحر. سوف ينجو، لﻷسف، و ثمّ سوف يكتشف أن الموت غرقا ليس أسوأ ما في الحياة، بل ورودها عليك دون استئذان. و ليس في اﻷمر عشق للموت، ليست سوى أسود الحياة إن اعتبرناها بياضا، انعكاس في انعكاس. و في اﻷمر ما يغضب.
يمرّ اليوم تلو اليوم، و نفس اﻷخطاء في كلّ مكان، حتى بين الذات و الصّفات تحسّ نفس الحماقات تمرّ، كعدوى الجرب.
هم كذلك البشر : يصيبونك بالجرب ما أطلت في الاحتكاك بهم، و أنت منهم..
حمم، حمم، تنصبّ من اﻷكتاف على بركانها القلب ليتذكّر : لست راضيا. عمّا صار إلى اﻵن، هنا و هناك : لست راضيا. عمّا تفاعلت بحياتي : لست راضيا. عمّا صار من الحول حتّى اﻵن : لست راضيا. و ليست البلاد هي مصدر انعدام الرّضا، بل كلّ اﻷرض المشبعة حضارة : كذبوا علينا منذ اللّحظة الصّفر.
فليتوقّف اﻹنجاب إن كان كلّ قادم جديد يستقبل نفس اﻷكاذيب. لعلّ اﻷرض، ان اكتفينا، ينتقص عنها التّعب. فلنكتف بكوننا مصدر أملاح لﻷشجار.
حمم، حمم، تنصبّ من اﻷكتاف صعودا نحو بركانها الدّماغ : متى يحين وقته كي ينفجر؟؟؟ دماغ المرء قنبلة موقوتة، تلاعب الجسد بتهيؤ الذّات و تحسّس الصّفات، ثمّ حصرها نحو ذاك الفخّ المسمّى لغة : كيف أقول ما أنا؟؟؟ و يجتاح اﻹكحلال تلك المسافة بين ما يقال و ما يُترك هناك بين السّديم و العدم.
لست راضيا، دون انقطاع، و أكثر ما يحرق أن انعدام الرّضا هو أكثر ما لا يرضيني. هناك أمرّ منزلقا بين تلابيب الزّمن، مراكما الخلايا النافقة.
هو اﻹكحلال، صمّام اﻷمان لدفع الوقود نحو الحلم كي يظلّ حيّا. أن أحيا، لم يكن اختياري، و لا يقدر على طرح هذا الخيار أحد. أن أحلم هو اختيار.