* قراءة في التحقيق المصور اللتي نشرته ‘ڢايس’ عن داعش
« بعدين، ما أجمل من أنك ڨاعد بعقر الخلافة الإسلامية »، قالها مبتسما. هو كهل، قد يكون في الخمسينيات من عمره، حاوره صحفي فلسطيني أمريكي، من وسط السجن المرتجل بمدينة رقا السورية. ألا تزال تلك المدينة سورية؟؟؟ لا أدري … قالها
مبتسما، مدركا عمق ما يقول. قد يكون على علم، أن مصير رأسه سيكون الحزّ. « الحز ». كم يعشق الداعشيون هاته الألفاظ الغارقة في بلاغة متناهية في القدم. شخصيا، أرجح أن يكون على علم بذلك. الكل على علم بذلك، عقاب مستهلك الحشيش لدى الدواعش هو حز الرأس. ليس الحشيش فقط، بل العديد من الأشياء الأخرى اللامتناهية العدد. أي أمر لا يشبه ما يرتئيه الدواعش دينا، عقابه الحز، إلى أن يأتي من الفتاوي ما يناقض ذلك. و الوقت الآن ليس للفتوى، بل الوقت وقت حرب. و الحز صار مجرد روتين إجرائي، أكثر منه عقابا. يقطع الرأس في انتظار تحديد الجريمة. بكل الأحوال، هم يعلمون أنهم « خير ناس تمشي على الأرض »، و أن مرتبتهم تأتي بعد الأنبياء مباشرة. الأنبياء، أتدركون ذلك؟؟؟ ذلك الحلم المستحيل، تلك المرتبة اللتي أغلق الله السبيل إليها، مع ختامة النبوة. هم تحتها بالضبط، فالله إذن لا يمكن أن يكون إلا جانبهم. و هم حين يحزون الرأس، لا يقتلون، بل يتركون مهمة الحكم النهائي لدى الله : إن كان بريئـا، فسيحتسبه الله شهيدا دون أن يغضب من مجاهديه. و إن لم يكن بريئـا، فذاك جزاؤه الإلاهي. و في الحالتين، ما على المجاهد إلا الإبلاغ، إبلاغ الروح المشكوك في أمرها إلى خالقها.
« عقر الخلافة الإسلامية » ، قالها مبتسما من قعر سجنه اللذي فتحه ناصبوه، مبتسمين هم كذلك، أما كاميرا « الذمي المرافق ». قالها و تطايرت نظرة مشتعلة من عينيه، تلك حقيقته الأخيرة و الحكمة اللتي اكتسبها من تواجده في ذاك السجن، لدى هؤلاء الناس. و يصدقه التاريخ في ادعائه. بنى الخلفاء دولتهم الأولى بحز رؤوس من اعتبروهم « رؤوس فتنة »، بعد سجنهم. ثم قامت كل خلافة على سجن و حز رؤوس الفتنة. يكفي رأيك الآخر في أي شيء كسبب للسجن، في انتظار الحز. سواء كانوا أمويين أو عباسيين أو فاطميين أو عثمانيين. كان السجن دوما « عقر الخلافة ».
« عقر الخلافة الإسلامية » ، قالها مبتسما، قبل أن يردف مستنكرا بأنه طالب بمبايعة الخليفة، خليفتهم، من هناك. أصر على مبايعته هناك، و شدد على تبليغ إصراره أمام الكاميرا اللتي كانت توثق آخر أيامه. يدرك أن تلك الكاميرا هي أداته الوحيدة لترك صوت. و كرر امتعاضه من الأخوة اللذين لم يعطوه الفرصة. مشهد يذكر بالصورة الشعرية اللتي رسمها أمل دنڨل لسپارتاكوس ، حين نقل على لسانه ترجيه للقيصر كي يشرب النبيذ من جمجمته. أراد مبايعة الخليفة، من عقر الخلافة، غير أن مجاهديه رفضوا. « من شان ما تكون البيعة إجبارية » قالها بسخرية خفيفة مبعدا عينيه، مردفا « أنا هون، هون بدي بايع الخليفة ». أولئك اللذين احتكموا لأنفسهم كي يحكموا عليه و يقرروا (دون محاكمة) مصادرة روحه، لا يريدون لبيعته أن تكون « تحت الضغط ». يهتمون لرأيه الخاص و حريته في الإختيار، هؤلاء الإخوة. ولا يرضون أن يفرض الخليفة نفسه فرضا على إرادة العباد، في نفس الوقت اللذي يرددون فيه أن خلافتهم و شريعتهم لن تنتشر سوى بالسلاح و حد السيف.
« عقر الخلافة الإسلامية » ، قالها مبتسما. و هم كذلك مبتسمون، دوما. حين يتكلمون، حين يمرحون، حين يتدربون، حين يدعون، و خصوصا حين يحزون الرؤوس. يبتسمون ابتسامة المطمئن. و لا مصدر للطمأنينة سوى غياب السؤال و التساؤل. و لم يتساءلون، و هم « خير ناس يمشون في الأرض » ؟؟؟ لم يتساءلون و هم يعلمون في قرارة أنفسهم أن مهمتهم هي السيف، و أن الحكم الأخير لدى الله، و أن الله معهم ؟؟؟ و حين يبتسمون، تكاد لا تفرق بينهم و بين الحشاش، إلا باللحية و الشعر الطويل الطليق. كلاهما ابتسامته غائرة في عالم آخر مبطن داخل الذات، عالم ينقطع مع جريان الزمان في العالم الخارجي لينغلق شيئا فشيئا في عالمه الخاص. و بينما ينزع الحشاش للسكون و السخرية في عالمه، اللذي يهديه ترياقا ضد تسارع العصر، كنتيجة للتأثير المهدئ للحشيش، يجنح الداعشي لاعتبار عالمه الداخلي معيارا حقيقيا و موحدا لكافة العوالم المتاحة، فعالمه الداخلي قائم على طمأنينة تتغذى من انتشارها لدى الآخرين، و كما يبين « ضابط الحسبة » لا فرق في طريقة الانتشار، ترغيبا أم ترهيبا. من هذا المنظار يمكن اعتبار الدواعش پراغماتيين لأقصى درجة : لا يقلقهم بطء الترغيب مادام الترهيب موجودا. لا أدل على ذلك تلك المقاطع اللتي ينشرونها قبل كل عملية قداس، ترمى فيها الرؤوس بالعشرات. في كل مقطع من محفل الحز، لابد للمحزوز أن يصدر من رأسه المتصل صوتا يبرز خضوعة للـ »قائمة » و رضاءه بحكمها. قد يعتبرها البعض سادية مفرطة، أن تجبر المحكوم بالإعدام على التصريح بأعلى الصوت عن مساندته لك، ثم تعدمه. لكن الدواعش لا يجبرون أحدا. هم يعلمون أن الترهيب هو اللذي يجعل الناس تصرخ بشعاراتهم، أن خوف ذاك الصحفي مما يدرك أنه سيحل به هو اللذي دفعه كي يكرر تلك الكلمات المجوفة، عن لا مسؤولية معدميه عن موته. هم يعلمون أن الترهيب هو اللذي يجعل أولئك الكهول المملوئين كالمواشي في شاحنة، يصرخون « باقية، باقية » بينما تسير بهم الشاحنة حيث ستضرب رقابهم. لكنهم لا يجبرون أحدا على أن يرتهب، و لا يعطون لتلك الأصوات بالا. ألم يفعلها فرعون حين وجد نفسه محاصرا بالمياه المنطبقة عليه؟؟؟ فرعون حينها أدرك الحقيقة و استسلم لها، لكن ذلك لم يشفع له. ليس إدراك حقيقتهم هو ما يشفع. الإنتماء لهم هو الشفيع الوحيد، فهم « خير ناس تمشي على الأرض ». يطبطب أحدهم على رقبة كهل، واعدا إياه بحزها، بصوت لطيف، و بلاغة ثقفية.
« بعدين، ما أجمل من أنك ڨاعد بعقر الخلافة الإسلامية »، قالها مبتسما. و هو يدرك أن الخلافة الإسلامية لا تشبه المسلسلات التاريخية المصرية ولا السورية، بتاتا. ذاك سر ابتسامته. بينما لا يدرك الدواعش ذلك بعد. و ذاك سر ابتسامتهم.
لا تهتم أبدا لأن الفئران تهرب من القطط ، التي ستهرب من الكلاب ، الخ الخ حتى الفيلة التي ستهرب بدورها من الفئران … حلقة مفرغة من حديث النجدة النجدة فأر في البيت و لا أحد فكر في مصيدة بكل بساطة … ما علينا، قرأت أنك قابلتهم هنا ، في باريس ، شارب و باقي الشلة، لم أفكر أبدا أن التقيهم قبل أن ينشروا لي شيئا ، طالما شجعتهم خلف حاسوبي و هاهم دفعوا الثمن وحدهم … لكن على رأي نجيب الشهداء بمعنى الكلمة ماتوا لم يتنظروا كلمة، لم يخطر بخلد الواحد فيهم حين استشهد أن الاستشهاد بطولة أو يترك شيئا للجيل القادم من خلفه فهو شهيد لا متفلسف، و كما قال أيضا لا حق لحي في الارض لو ضاعت حقوق الأموات,,,,, في هذه المرة سنستعمل مصيدة. عماد